وَكانَ مِنْ دُعائِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ في ذِكْرِ التَّوْبَةِ وَطَلَبِها
أَللّهُمَّ يا مَنْ لا يَصِفُهُ نَعْتُ الْواصِفينَ، وَيا مَنْ لا يُجاوِزُهُ رَجاءُ الرّاجِينَ، وَيا مَنْ لايَضيعُ لَدَيْهِ أَجْرُ الْمُحْسِنينَ، وَيا مَنْ هُوَ مُنْتَهى خَوْفِ الْعابِدينَ، وَيا مَنْ هُوَ غايَةُ خَشْيَةِ الْمُتَّقينَ.
هذا مَقامُ مَنْ تَداوَلَتْهُ أَيْدِي الذُّنُوبِ، وَقادَتْهُ أَزِمَّةُ الْخَطايا، وَاسْتَحْوَذَ عَلَيْهِ الشَّيْطانُ، فَقَصَّرَ عَمّا أَمَرْتَ بِهِ تَفْريطاً، وَتَعاطى ما نَهَيْتَ عَنْهُ تَغْريراً، كَالْجاهِلِ بِقُدْرَتِكَ عَليْهِ، أَوْ كَالْمُنْكِرِ فَضْلَ إِحْسانِكَ إِلَيْهِ، حَتّى إِذَا انْفَتَحَ لَهُ بَصَرُ الْهُدى، وَتَقَشَّعَتْ عَنْهُ سَحائِبُ الْعَمى، أَحْصى ماظَلَمَ بِهِ نَفْسَهُ، وَفَكَّرَ فيما خالَفَ بِهِ رَبَّهُ، فَرَأى كَبيرَ عِصْيانِهِ كَبيراً، وَجَليلَ مُخالَفَتِهِ جَليلاً، فَأَقْبَلَ نَحْوَكَ مُؤَمِّلاً لَكَ، مُسْتَحْيِياً مِنْكَ، وَوَجَّهَ رَغْبَتَهُ إِلَيْكَ ثِقَةً بِكَ، فَأَمَّكَ بِطَمَعِهِ يَقَيناً، وَقَصَدَكَ بِخَوْفِهِ إِخْلاصاً، قَدْ خَلا طَمَعُهُ مِنْ كُلِّ مَطْمُوع فيهِ غَيْرِكَ، وَأَفْرَخَ رَوْعُهُ مِنْ كُلِّ مَحْذُور مِنْهُ سِواكَ، فَمَثَلَ بَيْنَ يَدَيْكَ مُتَضَرِّعاً، وَغَمَّضَ بَصَرَهُ إِلَى الاَْرْضِ مُتَخَشِّعاً،
وَطَأْطَأَ رَأْسَهُ لِعِزَّتِكَ مُتَذَلِّلاً، وَأبَثَّكَ مِنْ سِرِّهِ ما أنْتَ أعْلَمُ بِهِ مِنْهُ خُضُوعاً، وَعَدَّدَ مِنْ ذُنُوبِهِ ما أَنْتَ أَحْصى لَها خُشُوعاً، وَاسْتَغَاثَ بِكَ مِنْ عَظيمِ ما وَقَعَ بِهِ في عِلْمِكَ، وَقَبيحِ مافَضَحَهُ في حُكْمِكَ، مِنْ ذُنُوب أَدْبَرَتْ لَذّاتُها فَذَهَبَتْ، وَأَقامَتْ تَبِعاتُها فَلَزِمَتْ، لايُنْكِرُ يا إِلهي عَدْلَكَ إِنْ عاقَبْتَهُ، وَلا يَسْتَعْظِمُ عَفْوَكَ إِنْ عَفَوْتَ عَنْهُ وَرَحِمْتَهُ، لاَِنَّكَ الرَّبُّ الْكَريمُ الَّذي لا يَتَعاظَمُهُ غُفْرانُ الذَّنْبِ الْعَظيمِ.
أَللّهُمَّ فَها أَنَا ذا قَدْجِئْتُكَ مُطيعاً لاَِمْرِكَ فيما أَمَرْتَ بِهِ مِنَ الدُّعاءِ، مُتَنَجِّزاً وَعْدَكَ فيما وَعَدْتَ بِهِ مِنَ الاِْجابَةِ، إِذْ تَقُولُ: (ادْعُوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ ).
أَللّهُمَّ فَصَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَالْقَني بِمَغْفِرَتِكَ كَما لَقِيتُكَ بِإِقْراري، وَارْفَعْني عَنْ مَصارِعِ الذُّنُوبِ كَما وَضَعْتُ لَكَ نَفْسي، وَاسْتُرْني بِسِتْرِكَ كَما تَأَنَّيْتَني عَنِ الاِْنْتِقَامِ مِنّي.
أَللّهُمَّ وَثَبِّتْ في طاعَتِكَ نِيَّتي، وَأَحْكِمْ في عِبادَتِكَ بَصيرَتي، وَوَفِّقْني مِنَ الاَْعْمالِ لِما تَغْسِلُ بِهِ دَنَسَ الْخَطايا عَنّي، وَتَوَفَّني عَلى مِلَّتِكَ وَمِلَّةِ نَبِيِّكَ مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلامُ إِذا تَوَفَّيْتَني.
أَللّهُمَّ إِنّي أَتُوبُ إِلَيْكَ في مَقامي هذا مِنْ كَبائِرِ ذُنُوبي وَصَغائِرِها، وَبَواطِنِ سَيِّئاتِي وَظَواهِرِها، وَسَوالِفِ زَلاّتي وَحَوادِثِها، تَوْبَةَ مَنْ لا يُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِمَعْصِيَة، وَلا يُضْمِرُ أَنْ يَعُودَ في خَطيئَة.
وَقَدْ قُلْتَ يا إِلهي في مُحْكَمِ كِتابِكَ: إِنَّكَ تَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِكَ وَتَعْفُو عَنِ السَّيِّئاتِ، وَتُحِبُّ التَّوّابينَ، فَاقْبَلْ تَوْبَتي كَما وَعَدْتَ، وَاعْفُ عَنْ سَيِّئاتي كَما ضَمِنْتَ، وَأَوْجِبْ لي مَحَبَّتَكَ كَما شَرَطْتَ.
وَلَكَ يا رَبِّ شَرْطي أَنْ لا أَعُودَ في مَكْرُوهِكَ، وَضَماني أَنْ لا أَرْجعَ في مَذْمُومِكَ، وَعَهْدي أَنْ أَهْجُرَ جَميعَ مَعاصيكَ.
أَللّهُمَّ إِنَّكَ أَعْلَمُ بِما عَمِلْتُ، فَاغْفِرْ لي ما عَلِمْتَ، وَاصْرِفْني بِقُدْرَتِكَ إِلى ما أَحْبَبْتَ.
أَللّهُمَّ وَعَلَىَّ تَبِعاتٌ قَدْ حَفِظتُهُنَّ، وَتَبِعاتٌ قَدْ نَسيتُهُنَّ، وَكُلُّهُنَّ بِعَيْنِكَ الَّتي لا تَنامُ، وَعِلْمِكَ الَّذي لايَنْسى، فَعَوِّضْ مِنْها أَهْلَها، وَاحْطُطْ عَنّي وِزْرَها، وَخَفِّفْ عَنّي ثِقْلَها، وَاعْصِمْني مِنْ أَنْ أُقارِفَ مِثْلَها.
أَللّهُمَّ وَإِنَّهُ لاوَفاءَ لي بِالتَّوْبَةِ إِلاّ بِعِصْمَتِكَ، وَلاَ اسْتِمْساكَ بي
عَنِ الْخَطايا إِلاّ عَنْ قُوَّتِكَ، فَقَوِّني بِقُوَّة كافِيَة، وَتَوَلَّني بِعِصْمَة مانِعَة.
أَللّهُمَّ أَيُّما عَبْد تابَ إِلَيْكَ وَهُوَ في عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ فاسِخٌ لِتَوْبَتِهِ، وَعائِدٌ في ذَنْبِهِ وَخَطيئَتِهِ، فَإِنّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَكُونَ كَذلِكَ، فَاجْعَلْ تَوْبَتي هذِهِ تَوْبَةً لا أَحْتاجُ بَعْدَها إِلى تَوْبَة، تَوْبَةً مُوجِبَةً لِمَحْوِ ماسَلَفَ، وَالسَّلامَةِ فيما بَقِىَ.
أَللّهُمَّ إِنّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِنْ جَهْلي، وَأَسْتَوْهِبُكَ سُوءَ فِعْلي، فَاضْمُمْني إِلى كَنَفِ رَحْمَتِكَ تَطَوُّلاً، وَاسْتُرْني بِسِتْرِ عافِيَتِكَ تَفَضُّلاً.
أَللّهُمَّ وَإِنّي أَتُوبُ إِلَيْكَ مِنْ كُلِّ ما خالَفَ إِرادَتَكَ، أَوْ زالَ عَنْ مَحَبَّتِكَ، مِنْ خَطَراتِ قَلْبي، وَلَحَظاتِ عَيْني، وَحِكاياتِ لِساني، تَوْبَةً تَسْلَمُ بِها كُلُّ جارِحَة عَلى حِيالِها مِنْ تَبِعاتِكَ، وَتَأْمَنُ مِمّا يَخافُ الْمُعْتَدُونَ مِنْ أليمِ سَطَواتِكَ.
أَللّهُمَّ فَارْحَمْ وَحْدَتي بَيْنَ يَدَيْكَ، وَوَجيبَ قَلْبي مِنْ خَشْيَتِكَ، وَاضْطِرابَ أَرْكاني مِنْ هَيْبَتِكَ.
فَقَدْ أَقامَتْني يا رَبِّ ذُنُوبي مَقامَ الْخِزْيِ بِفِنائِكَ، فَإِنْ سَكَتُّ
لَمْ يَنْطِقْ عَنّي أَحَدٌ، وَإِنْ شَفَعْتُ فَلَسْتُ بِأَهْلِ الشَّفاعَةِ.
أَللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَشَفِّعْ في خَطاياىَ كَرَمَكَ، وَعُدْ عَلى سَيِّئاتي بِعَفْوِكَ، وَلا تَجْزِني جَزائي مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَابْسُطْ عَلَىَّ طَوْلَكَ، وَجَلِّلْني بِسِتْرِكَ، وَافْعَلْ بي فِعْلَ عَزيز تَضَرَّعَ إِلَيْهِ عَبْدٌ ذَليلٌ فَرَحِمَهُ، أَوْ غَنِىٍّ تَعَرَّضَ لَهُ عَبْدٌ فَقيرٌ فَنَعَشَهُ.
أَللّهُمَّ لا خَفيرَ لي مِنْك، فَلْيَخْفُرْني عِزُّكَ، ولا شَفيعَ لي إِلَيْكَ، فَلْيَشْفَعْ لي فَضْلُكَ، وَقَدْ أَوْجَلَتْني خَطاياىَ فَلْيُؤْمِنّي عَفْوُكَ، فَما كُلُّ ما نَطَقْتُ بِهِ عَنْ جَهْل مِنّي بِسُوءِ أَثَري، وَلا نِسْيان لِما سَبَقَ مِنْ ذَميمِ فِعْلي، وَلكِنْ لِتَسْمَعَ سَماؤُكَ وَمَنْ فيها، وَأَرْضُكَ وَمَنْ عَلَيْها، ما أَظْهَرْتُ لَكَ مِنَ النَّدَمِ، وَلَجَأْتُ إِلَيْكَ فيهِ مِنَ التَّوْبَةِ، فَلَعَلَّ بَعْضَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَرْحَمُني لِسُوءِ مَوْقِفي، أَوْ تُدْرِكُهُ الرِّقَّةُ عَلَىَّ لِسُوءِ حالي، فَيَنالَني مِنْهُ بِدَعْوَة هِىَ أَسْمَعُ لَدَيْكَ مِنْ دُعائي، أَوْ شَفاعَة أَوْكَدُ عِنْدَكَ مِنْ شَفاعَتي، تَكُونُ بِها نَجاتي مِنْ غَضَبِكَ، وَفَوْزَتي بِرِضاكَ.
أَللّهُمَّ إِنْ يَكُنِ النَّدَمُ تَوْبَةً إِلَيْكَ فَأَنَا أَنْدَمُ النّادِمينَ، وَإِنْ يَكُنِ
التَّرْكُ لِمَعْصِيَتِكَ إِنابَةً فَأَنَا أَوَّلُ الْمُنيبينَ، وَإِنْ يَكْنِ الاِْسْتِغْفارُ حِطَّةً لِلذُّنُوبِ فَإِنّي لَكَ مِنَ الْمُسْتَغْفِرينَ.
أَللّهُمَّ فَكَما أَمَرْتَ بِالتَّوْبَةِ وَضَمِنْتَ الْقَبُولَ، وَحَثَثْتَ عَلَى الدُّعاءِ وَوَعَدْتَ الاِْجابَةَ، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَاقْبَلْ تَوْبَتي، وَلا تَرْجِعْني مَرْجِعَ الْخَيْبَةِ مِنْ رَحْمَتِكَ، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوّابُ عَلَى الْمُذْنِبينَ، وَالرَّحِيمُ لِلْخاطِئينَ الْمُنيبينَ.
أَللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ كَما هَدَيْتَنا بِهِ، وَصَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ كَما اسْتَنْقَذْتَنا بِهِ، وَصَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ صَلاةً تَشْفَعُ لَنا يَوْمَ الْقِيـامَةِ وَيَوْمَ الْفاقَـةِ إِلَيْكَ، إِنَّكَ عَلـى كُلِّ شَىْء قَديرٌ، وَهُوَ عَلَيْكَ يَسيرٌ.
الدعاء الحادي و الثلاثون من أدعية الصحيفة في ذِكْرِ التَّوْبَةِ وَطَلَبِها
- الزيارات: 2777