• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الرجعة (العودة إلى الحياة)

هذه المسألة ممّا اختصت الشيعة بالقول بها، وأنا بحثت في كتب السنّة فلم أجد لها أثر يذكر.
وهم يعتمدون في ذلك على أخبار وروايات رووها عن الأئمة الأطهار ـ سلام اللّه عليهم ـ في أنّ اللّه سبحانه وتعالى سيُحيي بعض المؤمنين وبعض المجرمين المفسدين لينتقم المؤمنون من أعدائهم أعداء اللّه في الدنيا قبل الآخرة.
ولو صحّت هذه الروايات، وهي صحيحة ومتواترة عند الشيعة، فلا تلزم أهل السنّة والجماعة إذا لم يثقوا بصحتها، ومن ثمّ فإنّهم غير ملزمين بوجوب الاعتقاد بها; لأنّ أئمة أهل البيت حدّثوا بها عن جدهم (صلى الله عليه وآله وسلم)! كلا لأنا ألزمنا أنفسنا بالإنصاف في البحث وعدم التعصّب، فلا نكلّفهم إلاّما ألزموا به أنفسهم وأخرجوه في صحاحهم، ولأنّ روايات الرجعة لم ترد عندهم، فهم أحراراً في عدم الأخذ بها ورفضها، هذا في صورة ما إذا أراد أحد الشيعة أن يفرض عليهم تلك الروايات.
أمّا وأنّ الشيعة لم يفرضوا على أحد أن يقول بالرجعة; ولا أنّهم يقولون بكفر من يكذّبها، فلا داعي لكلّ هذا التشنيع والتهويل على الشيعة، سيما وأنّهم يفسّرون بعض الآيات بنحو يوافق ذلك، وذلك كما في قوله تعالى: { وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ اُمَّة فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ }(1).
فقد جاء في تفسير القمّي عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن أبي عبداللّه جعفر الصادق (عليه السلام) قال: "ما يقول الناس في هذه الآية { وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ اُمَّة فَوْجاً } "؟ قلت: يقولون: إنّه في يوم القيامة: قال: "ليس كما يقولون، إنّها في الرجعة، أيحشر اللّه في القيامة من كلّ أُمّة فوجاً ويدع الباقين؟ إنّما آية القيامة: {وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أحَداً } "(2).
كما جاء في كتاب عقائد الإمامية للشيخ محمّد رضا المظفر قوله: "إنّ الذي تذهب إليه الإمامية أخذاً بما جاء عن آل البيت (عليهم السلام) ; إنّ اللّه تعالى يعيد قوماً من الأموات إلى الدنيا في صورهم التي كانوا عليها، فيعزّ فريقاً ويذلّ فريقاً آخر، ويديل المحقّين من المبطلين والمظلومين منهم من الظالمين، وذلك عند قيام مهدي آل محمّد عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام.
ولا يرجع إلاّ من علت درجته في الإيمان أو من بلغ الغاية من الفساد، ثمّ يصيرون من بعد ذلك إلى الموت، ومن بعده إلى النشور وما يستحقّونه من الثواب أو العقاب، كما حكى اللّه تعالى في قرآنه الكريم تمنّي هؤلاء المرتجعين الذين لم يصلحوا بالارتجاع فنالوا مقت اللّه، أن يخرجوا ثالثاً لعلّهم يصلحون:
{ قَالُوا ربَّـنَا أمَتَّـنَا اثْنَتَيْنِ وَأحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إلَى خُرُوج مِنْ سَبِيل }(3) "(4).
أقول: إذا كان أهل السنّة والجماعة لا يؤمنون بالرجعة فلهم كامل الحقّ، ولكن ليس من حقّهم أن يشنّعوا على من يقول بها لثبوت النصوص عنده، فليس لمن لا يعلم حجّة على من يعلم، ولا حجّة للجاهل على العالم، وليس عدم الإيمان بالشي دليل على بطلانه، فكم من حجّة دامغة عند المسلمين لا يؤمن بها أهل الكتاب من يهود ونصارى.
وكم من اعتقادات وروايات عند أهل السنّة والجماعة بخصوص الأولياء والصالحين وأصحاب الطرق الصوفية تبدوا مستحيلة ومنكرة، ولكن لا تستدعي التشنيع والتهويل على عقيدة أهل السنّة والجماعة.
وإذا كانت الرجعة لها سند في القرآن والسنّة النبوية، وهي ليست مستحيلة على اللّه الذي ضرب لنا أمثلة منها في القرآن الكريم كقوله تعالى:
{ أوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَة وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَام ثُمَّ بَعَثَهُ }(5).
أو كقوله سبحانه وتعالى:
{ ألَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ اُلُوفٌ حَذَرَ المَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُوا ثُمَّ أحْيَاهُمْ }(6).
وقد أمات اللّه قوماً من بني إسرائيل ثمّ أحياهم، قال تعالى:
{ وَإذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللّهَ جَهْرَةً فَأخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأنْتُمْ تَنظُرُونَ * ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }(7).
وقال في أصحاب الكهف الذين لبثوا في كهفهم موتى أكثر من ثلثمائة عام: { ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أيُّ الحِزْبَـيْنِ أحْصَى لِمَا لَبِثُوا أمَداً }(8).
فهذا كتاب اللّه يحكي أنّ الرجعة وقعت في الأُمم السابقة، فلا يستحيل وقوعها في أُمّة محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وخصوصاً إذا روى ذلك أئمة أهل البيت سلام اللّه عليهم، فهم الصادقون العالمون.
أمّا قول بعض المتطفّلين بأن القول بالرجعة هو القول بالتناسخ الذي يقول به بعض الملحدين; فهو قول ظاهر الفساد والبطلان، ويقصدون من ورائه التشنيع والتهويل على الشيعة; إذ أنّ القائلين بالتناسخ لا يقولون بأنّ الإنسان يرجع إلى الدنيا بجسمه وروحه وصورته وكنهه، إنّما يقولون بأن الروح تنتقل من إنسان مات إلى جسد إنسان آخر يولد من جديد أو حتى إلى حيوان.
وهذا كما نعلم بعيد كلّ البعد عن عقيدة المسلمين القائلين بأنّ اللّه يبعث من في القبور بأجسامهم وأرواحهم.
فليست الرجعة من التناسخ في شيء، وهو قول الجهلة الذين لا يفقهون أو المغرضين غير الورعين.





____________
1- النمل: 83.
2- الكهف: 47، والنص في تفسير القمي 2: 106.
3- المؤمن: 11.
4- كتاب عقائد الإمامية للمظفر: 94 (العقيدة الثانية والثلاثون).
5- البقرة: 259.
6- البقرة: 243.
7- البقرة: 55 ـ 56.
8- الكهف: 12.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page