• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

المسلك الاول وعد الله بظهور دينه على الدين كلّه

     إن الله سبحانه وتعالى وعد وعداً قاطعاً صريحاً بظهور دينه على الدين كلّه، لا يقصد بذلك دينه الذي بدأ به من أول مَن أرسله رسولاً إلى خلقه وانتهى بمن أرسله رسولاً وسيداً على المرسلين وخاتم النبيين، بل الدين الذي جاء به نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعد الله سبحانه وعداً قاطعاً بأن يظهره على الدين كلّه .
     وهذا الوعد جاء ضمن آيات ثلاث، ومن غريب الامر أن آيتين منها متماثلتان، ولا أقول متشابهتان، بل متماثلتان تماماً من أول حرف من الاية إلى آخر حرف منها، وجاءتا في سورتين بينهما فاصل زمني وإن كانت السورتان كلتاهما مدنيتين .
     الاولى: قوله تعالى في سورة التوبة(1):
(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ)(2) .
     مفهوم الاية واضح، (هو الذي) ، هذا كلّه تأكيد، (أرسل رسوله) ، فلو قال سبحانه وتعالى: الله أرسل رسوله، كان أوجز، لكن هنا (هو الذي أرسل رسوله) ، يعني أن الذي أرسل عليه لحكمته وعلمه وموقع رسوله هذا وموقع شريعته هذه التي جاء بها رسوله هذا، يقتضي أن يكون هو الذي يظهر هذا الدين على الدين كلّه ولو كره المشركون .
     وهنا نكتة أشير إليها، وهي قوله تعالى: (بالهدى ودين الحق)، فالله سبحانه وتعالى أرسل رسله السابقين على رسولنا محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)بالهدى ودين الحق، فلماذا سبحانه وتعالى يصف دينه هذا ورسوله هذا أنّه أرسله بالهدى ودين الحق ؟ والموجز في الجواب أن الاديان السابقة لم تكن هادية هداية عامة لجميع الخلق بالقياس إلى الهداية التي جاء بها نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم)، لا لانها ناقصة، بل لانها تهدي الانسانية في فترة قصيرة جداً من عمرها الطويل، فتلك لا تقاس بالنسبة الى الهداية التي جاء بها نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم)، وذلك على ما يقولون: الفرد الاكمل الابرز الاوضح للهدى الذي جاء به نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهكذا دين الحق، لماذا؟ لان هذا الدين دين شرعه الله سبحانه وتعالى للبشرية إلى آخر أيام حياتها على ظهر هذا الكوكب، كم تطول؟ لا نعلم، كم ألوف من السنن؟ لا نعلم، كم عصور تتوالى عليها، لا نعلم، ولكننا نعلم شيئاً واحداً: أنّ البشرية إن كانت قد اكتملت واكتسبت مافيه كمالها، سواء أكان هذا الكمال من ناحية مادية، أم كمالاً من ناحية معنوية، فانها لم تكتسبه إلاّ في عصور حياتها الاخيرة، لا حياتها البدائية، سواء أقلنا : إن الحياة البشرية البدائية بدأت برسول من الله سبحانه وتعالى كما تقوله الاديان السماوية، أو قلنا: إن الانسان قد مرّ بأشواط وأشواط طويلة قد يؤرّخونها بملايين السنين، وقد يؤرّخون أسلاف الانسانية، وأنا أستميحكم عذراً حينما أقول بأسلاف الانسانيّة، سواءاً أكانوا يشبهون مثلاً القردة أو نفس القردة أنفسهم أو موجودات أخر، فقد مرّ على الانسانية شوط طويل إن لخصناه بامكاننا أن نقول كل ما امتدّ بها الزمن تكاملت عندها خصائصها الخاصة بها.
     فكما يقولون ـ لا أقول: بأن هذا صحيح مائة بالمائة، ولكني أحكي ما يقولون ـ بأن الانسانية بدأت على ظهر هذا الكواكب تعيش من حيث المأكل كما يعيش سائر الاحياء، فقد كانت تشترك مع القردة أو الدببة التي كانت تأتي إلى الساحل المائي، فكان الدبّ يستعين بمخالبه فيصيد سمكة ويأكل كما يقولون، وأن الانسان البدائي كان يأخذ حجراً فيقف راصداً سمكة تمر عليه فيرميها بحجر ويصطادها.
     والان حينما نأتي إلى أواخر عصور الانسانيّة حتى في التاريخ
المجمل المبهم لها، نجد أن الانسانيّة تستقبل الكمال ولا تستدبره.
     فالتكامل يكون في مستقبل حياة الانسانيّة، والدين الذي يكون لمستقبل حياة الانسانيّة وحتى الشوط الاخير من هذه الحياة التي لا ندري متى يأتي ذلك الشوط الاخير ومتى يكون، (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماوات ومَنْ فِي الارْضِ إلاَّ مَنْ شَاءَ الله ثُمَّ نُفِخَ فِيْهِ اُخْرَى فَإذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ)(3) .
     فالدين الذي جاء لتلبية حاجة الانسانية في أكمل صورها وأوفى استكمالها لكمالها الانساني، ولا أدعي بأن هذا الكمال يكون في سنين عديدة ويقابله نقص في ملايين من السنين، إن هذا شيءٌ أنا شخصيّاً أستبعده ولا أطلب الان من غيري أن يؤمن به مائة بالمائة، ولكن من البعيد جداً أن الحكمة الالهيّة تجعل من الشوط الكامل للانسانيّة أقصر أشواطها مدّة، وكيفيةً، وزمناً، ولا يأتي في ذهنكم أنّ الروايات التي تقول بأن الامام المهدي سلام الله عليه إذا خرج يملك سبعاً أو تسعاً، لا أتكلم عن هذا، فهذه كلها إن وردت لا يُقصد بها العدد الخاص من جهة، والجهة الثانية أن رجعة الائمة هي التي تكمل هذا الشوط من حياة الانسانيّة، وهو أعلى أشواطه كمالاً وإنسانيةً وتلالؤاً وامتلاءاً بأحب الصفات الالهية التي يريدها الله سبحانه وتعالى أن تتمثل في خلقه كالرحمة والمحبة و...، ولا أقصد تلك الصفات التي يذكرها العارفون بالمعنى المصطلح للعرفان، الذي يرجع إلى أن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق على هيأته وأن الله خلق آدم على صورته، لا أقصد هذا.
     وإنّما أقول: إنّ من البعيد جداً أن تكون الانسانية لا تكتمل إلاّ في آخر لحظات حياتها، وإذا أردتُ أن أشبّه فكرتي هذه فأقول : بأن الله سبحانه وتعالى إن وعد فرداً معيناً منّا بأني سوف استوفي لك كل حاجة تحتاجها في حياتك الدنيا هذه، وفي هذا الكوكب، وفي هذه الحياة التي تسبق الموت، أستوفي لك كل حاجاتك وأؤمّن وألبّي كل رغباتك، ولكن في ساعة واحدة قبل موتك، أنا واثق بأن أيّ واحد منّا لو أن الله سبحانه وتعالى خيّره بين هذه وبين أن يعيش عيشةً متواضعةً لا أمل فيها ولا ألم، لاختار هذه العيشة المتواضعة دون أن يختار حياة مليئة بالالام تزول آلامها في آخر ساعة من حياته هذه، وأمّا أنها تعوض في الحياة الاخرى، فذاك حديث آخر.
     الانسانية أيضاً هكذا، من غير المعقول لحكمة الله سبحانه وتعالى أن يقدّر لخلقه برحمته أن يخلقهم، وبرأفته أن يهديهم، وبحكمته وعلمه أن يفتح أمامهم مسلكاً يبلغون بسلوكه ما يريد الله سبحانه وتعالى منهم حينما خلقهم أن يجعل هذا في أقصر فترات حياتهم .
     فأنا واثق من أن الحياة الكريمة التي تأتينا في دولة كريمة يُعزّ بها الاسلام وأهله ويضمحلّ فيها النفاق وأهله، لا أنه يخذل، بل يضمحل فيها النفاق وأهله، وأن نكون سعداء كما أراد الله سبحانه وتعالى، أن يكون دور الانسانية هذا، هي أقصر أدوار حياته على ظهر هذا الكوكب .
إذن فما وعد الله سبحانه وتعالى وَعْداً قاطعاً وهو أن يظهر دينه على الدين كله، لابدّ وأن يكون على يد مهدي هذه الامة، لماذا؟ لان عدد الائمة عندنا عدد معين، اثنا عشر إماماً، استوفى أحد عشر منهم مدّته.
     ومع أسف الانسانية وبؤسها وشقائها ومحنتها بل من أعظم محنها أن هذه المدّة لم تستوف كما أراد الله، يعني بإرادة من الله سبحانه وتعالى أن تكون مدّة حياتهم الطبيعية وهم بين أظهر أمتهم يهدونهم، فأمير المؤمنين (عليه السلام) لا نعلم بأن أشقى الاخرين لو لم يضربه على هامته كم كان يعيش؟ وأن الامام الحسن سلام الله عليه الذي لم تدم إمامته إلاّ عشر سنين أو أقل لو لم يُسم كم كان يعيش؟ وأن سيد الشهداء سلام الله عليه لو لم يكن يُقتل تلك القتلة الفجيعة(4) كم كان يعيش؟ هؤلاء لو لم يواجهوا من طاغية زمانهم بما جاء عليهم كم كانوا يعيشون؟ ولكن مع هذا لا يصحّ لنا أن نقول بأن الله سبحانه وتعالى أظهر دينه على الدين كلّه، فالوعد الالهي لم يأت بعد.
     ولو قلنا بأن الوعد الالهي يكون على أيدي الهداة الالهيين، لماذا؟ لان الانسانية جرّبت أحسن من يقودها إن لم يكن ممن أخذ الله العهد على نفسه بأن يرقبه بحيث لا يحيد (وَمَا اُبرِىءُ نَفْسِي إنَّ النَّفْسَ لامّارَةٌ بِالسُّوءِ إلاَّ ما رَحِمَ رَبِّي)(5)، فالذين رحمهم الله سبحانه وتعالى لا يتجاوزون عمّا يريده الله سبحانه وتعالى منهم، فالوعد الالهي للانسانيّة إن لم يكن من شخص يجري الوعد على يديه كفوءاً صحيحاً، تقع الانسانيّة في مآسي ويقع الوعد في مجافيات وفي تناقضات، بحيث أن الوعد يفقد حكمته بل يفقد مصداقيّته .
     فلا يكون الوعد إلاّ على يد معصوم، يكون الله سبحانه وتعالى مراقباً له، بحيث أن الله سبحانه وتعالى لو أراد أن يجري الوعد بنفسه لا يختلف عما يجريه وليّه .
     فالاية الكريمة يكفي ورودها مرة واحدة، مع أنها جاءت بهذا المضمون في ضمن ثلاث آيات كريمة:
     الاولى: قوله في سورة البراءة أو التوبة: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ)(6).
     ونفس هذه الاية بما بدأت به وبما انتهت به حتى من حيث الحرف، لا الكلمة وحدها، جاءت في سورة الصف: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ)(7).
فالله سبحانه وتعالى ـ من باب التندر أقول ـ ليس كبعض شعرائنا الذي ينظم القصيدة فيجدها قصرت عما يريدها من عدد الابيات فيأتي بأبيات قالها سابقاً في قصيدة أخرى يضمّنها، يضمّن قصيدته هذه تلك الابيات حتى تطول، وهذا كثيراً ما يكون، ولا يؤاخذه مؤاخذ بما فعل، لانه قول قاله، ولكن الله سبحانه وتعالى لا يعيد الاية كي تطول السورة، يجلّ عن ذلك، يعيد الاية كي يؤكّد لنا بأن هذا وعدٌ قاطعٌ صريحٌ لا خلف له، ولن يخلف الله وعده .
     وبالاضافة إلى ذلك نفس المعنى يرد في آية كريمة أخرى، تختلف من حيث الانتهاء، وهي قوله تعالى في سورة الفتح: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بالله شَهِيداً)(8).
     هذا المقطع: (وكفى بالله شهيداً) حسب فهمنا أقوى بالدلالة على قوله تعالى حينما ختم به آيتيه الكريمتين: (ولو كره المشركون)، فـ : (وكفى بالله شهيداً) معناه: أن الله سبحانه وتعالى الذي وعد هو الذي يشهد، لا أنه وعد وغاب أو مات، وكان الوعد وصية منه ينجزها غيره، فيكون ذلك الذي ينجّز من الممكن أنْ يتساهل ويتكاسل أو يتغافل أو يغفل أو ينسى أو يجهل، (وكفى بالله شهيدا) الله سبحانه وتعالى الذي يشهد الخلق، فان وعد وعداً فهو الذي يجعل وعده لا خلف فيه.
     فهذا الوعد القاطع الذي لا يصح لمسلم أن لا يؤمن به ولا يصح لغير مسلم أن يغفله في تأريخ الفكر الاسلامي، يعني غير المسلم قد لا يؤمن بالقرآن الكريم ككتاب منزل من قبل الله سبحانه وتعالى، بل قد لا يؤمن بأن لهذا الكون خالقاً، أو يشرك الله بغيره من أنداد يجعلها لله سبحانه وتعالى، ولكنه حينما يقرأ القرآن الكريم يجد هذا الوعد وعداً قاطعاً صريحاً لا لبس فيه ولا إبهام فيه.
     فإذن هذا الوعد وعدٌ يؤمن به كل مسلم ووعدٌ يأخذ به كلّ من يؤرّخ الدين الاسلامي، ولا يتحقق هذا الوعد إلاّ إذا قلنا بأن أئمة الهدى سوف يتحقق بهم في شوطهم الاخير أكمل أشواط الانسانيّة في تأريخها الطويل، وخاتمهم وهو مهديهم سلام الله عليهم أجمعين سوف يكون هو الذي يحقق الله سبحانه وتعالى على يديه هذا الوعد الذي وعد به وعداً صريحاً أكده في ثلاث آيات كريمة.
     وأيضاً قوله تعالى: (كَتَبَ الله لاغلِبَنَّ أنا وَرُسُلِي إنَّ الله قَوِيّ عَزِيزٌ)(9).
     (كتب الله لاغلبن أنا ورسلي) أي غلبة؟ غلبة مادية؟ الله سبحانه وتعالى لم يعد رسله ولا خلقه بأنه هو ورسله يغلبون غلبة ماديّة كما يعبر في هذا العصر غلبة فيزيائية، فالله سبحانه وتعالى يقول: (أفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ)يخاطب اليهود (بِمَا لا تَهْوَى أنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً )تَقْتُلُونَ)(10)، أمن الصحيح لكم هذا الخُلُق الذي سرتم عليه أيها اليهود بأنكم تحبون أن يكون الله سبحانه وتعالى هو الذي يؤمّن رغباتكم، لا أنه هو الذي يهيمن عليكم، (أفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيْقاً تَقْتُلُونَ) يؤكدها في آية اخرى: (كُلَّما جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وفَرِيقاً يَقْتُلُونَ)(11)، (قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أنْبِيَاءَ الله مِنْ قَبْل إنْ كُنْتُم مُؤمِنِين)(12)، آيات كثيرة تؤكد أن الله سبحانه وتعالى أرسل رسلاً، كُذِّبوا، كُذِّب بعض وكُذِّب آخرون وقتلوا، لا أنّ اليهود كانوايقتلون الذين يصفونهم بالصدق من الانبياء الصادقين الذين يؤمنون بصدقهم، والذين يبقون على حياتهم كانوا يكذّبونهم.
     إن الله سبحانه وتعالى يريد أن يقول لليهود بأنكم إن جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم أنتم تجدون أنفسكم أكبر من الله سبحانه وتعالى، فإنكم تَرَوْن أنّ أنفسكم هي التي تفرض على الله سبحانه وتعالى أن يلبّي رغباتكم كما تشتهون، لا أن الله سبحانه وتعالى يكون هو المهيمن عليكم كما يحب ويحكم به عدله وحكمته، ففريقاً اكتفيتم بتكذيبهم لانكم لم تتمكنوا من قتلهم أو لعوامل أخرى، وفريقاً آخرين كذبتم وقتلتم.
     الله سبحانه وتعالى لم يعد رسله ولا خلقه المؤمن منهم والكافر، لم يعدهم بأنه يحمي رسله جسدياً بحيث لا تنالهم اليد الاثمة بأذى أو بقتل وهو أشد أنواع الاذى .
     إذن، فالله سبحانه وتعالى كتب (لاغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز)، يعني أنّ الله إذا يعد لا يخلف، لان الخلف إما أن يكون لضعف والله سبحانه وتعالى قويّ لا ضعف له، أو لان هناك من هو أقوى منه تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
     فهذا الوعد متى يأتي؟ لابدّ وأن يكون هذا الوعد هو الذي يأتي على يد مهدي هذه الامة في آخر حياة الانسانية، وهو أكمل أشواط حياتها بصورة قطعية، وتملك هذه الحياة من الزمن والمدة ما تقرّ بها عين الانسانيّة، وإلاّ لكانت الانسانية لا تكون إلاّ كمن يأتي الله سبحانه وتعالى بأمنيته بعدما عاش مائة سنة في آخر لحظة من لحظات حياته، هذه الامنية سوف تكون عليه حسرة ولا تكون ممن يستمتع بها.
     وأيضاً قوله تعالى: (نَتْلُوا عَلَيْك مِنْ نَبَأ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالحَقِّ إنَّ فِرْعَونَ عَلا فِي الارْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْي نِسَاءَهُمْ .... وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِيْنَ اسْتُضْعِفُوا)(13).
(نريد أن نمن)معنى ذلك أن هذه سيرة الله، لا تختص بموسى وفرعون لان الله سبحانه وتعالى يأتي بـ (نريد أن نمن) لا: أردنا أن نمن، كما قال عزّ مِنْ قائل: (وكذلك مكّنا ليوسف في الارض)(14)، أما هنا يقول: (ونريد أن نمن)، يعني: أن الله سبحانه وتعالى جرت سنته أن الذين واجهوا طواغيت البشرية، لا طواغيت الامة فحسب، والطواغيت غلبوهم على أمرهم، فالله سبحانه وتعالى جرت إرادته التي لا خلف فيها والتي لا يمنع منها مانع أن يأتي دور يغلب هؤلاء على طواغيت زمانهم (ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين)إلى آخر الايات الكريمة.
     إذن، المسلك الاول الوعد الالهي في القرآن الكريم، هذا الوعد الالهي إما أن نقول: بأن الله سبحانه وتعالى حينما وعد به أراد أن يقوّي قلوبنا وأن يملا نفوسنا أملاً وأن يرينا في أسوء التعابير سراباً يتخيّله الضمآن ماءاً، فالله سبحانه وتعالى أجل من هذا، حينما وعد، وعد وعداً قاطعاً وهو أصدق القائلين ولن يخلف الله وعده وهو أصدق من قال.
     فالمسلك الاوّل أنّ وعد الله سبحانه في قرآنه الكريم، هذا الوعد الذي جاء ضمن وعود مختلفة في صيغها، متّفقة في معناها، (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّه)(15)، (كَتَبَ اللهُ لاغلِبَنَّ أنا وَرُسُلِي)(16)، (وَنُرِيْدُ أَنْ نَمُنَّ عَلى الَّذِينَ استُضْعِفُوا فِي الارْضِ وَنَجْعَلهُمْ أئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوارِثِينَ)(17) .
     هذا الوعد جاء في صيغ مختلفة تختلف في التعبير وتتفق في المغزى والهدف، هذا الوعد لا يمكن أن يتحقّق إلاّ على يد آخر حجج الله، وهذا الاخر الذي ولد قبل ألف وحدود المائة أو يقرب من المائتين، هذا الوعد لابد أن يتحقق على يد هذا، لانه آخر الحجج، ولن يرسل الله رسولاً، لان نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم)خاتم النبيين، ولن يأتي بإمام يعيش عيشته الاولى في هذه الارض، لا العيشة بعد الرجعة لمن آمن بالرجعة، يعيش عيشته الاولى في هذه الارض لن يأتي به، لماذا؟ لان عدد الائمة عنده اثنا عشر إمام، ومهدي هذه الامة آخر الائمة، فهذا الوعد لا يمكن أن يكون وعداً صادقاً، وهو مما نقطع بصدقه، إلاّ أن يكون لمهدي هذه الامة غيبة تفصل بين مولده وبين ظهوره وإنجاز وعد الله سبحانه وتعالى على يده، سواء في ذلك طالت الغيبة أم قصرت، كوعد الله سبحانه وتعالى: (قَالَ مَنْ يُحْي العِظَامَ وَهِي رَمِيمٌ قل يُحْيِيهَا الَّذِي أنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّة)(18)، أما بعد مضي كم فترة؟ قد تكون مليون
سنة، نحن لا ندري الفاصل بين أول نسل للانسانية وبين آخر عصور الانسانية وبين حشرها بعد موتها وهو حشر تحشر فيه الانسانية كلها، كم مدّة من الزمن؟ الف سنة ؟ مائة ألف سنة ؟ مليون سنة ؟ لا ندري، ولكن وعد الله صادق (لن يخلف الله وعده).
     إذن فغيبة مهدي هذه الامة غيبة لابدّ منها، لانه مهدي هذه الامة، ولان وعد الله سبحانه وتعالى صادقٌ صريحٌ قاطع، الذي أكده في آيات كريمة مختلفة وبألفاظ وتعابير مختلفة قد تختلف باللفظ وتتّفق في المغزى، هذا الوعد لن يكون وعداً منجزاً إلاّ إذا كان لمهدي هذه الامة غيبةٌ تفصل بين ولادته وبين ظهوره بما وعد الله سبحانه وتعالى به .
___________
     (1) سورة التوبة من آخر ما نزل على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولم تنزل بعدها سورة سوى المائدة، وهي آخر السور التي نزلت في عرفة في ذي الحجة من السنة العاشرة من هجرته (صلى الله عليه وآله وسلم) من المدينة المنورة، وبعدها لم يعش إلاّ أقل من ثلاثة شهور، إن أقربنا وفاته بالثامن والعشرين من صفر، أم أبعدنا الى الثاني عشر من ربيع الاول، ولكن في تلك السنة التي تلت الشهر الثاني عشر من السنة العاشرة وشهر ذي الحجة لم يعش بعدها .
    (2) سورة التوبة: 33 .
     (3) سورة الزمر: 68 .
     (4) التي لم ترد في أي أمّة من الامم بالنسبة إلى أقل من يمثل حقوقاً إيجابية في تلك الامة، فمن يملك أبسط الحقوق لاي فرد كان من أي أمة لم يواجه بجريمة كما واجهها سيد الشهداء وأصحابه سادة الشهداء من الاولين والاخرين .
     (5) سورة يوسف: 53 .
     (6) سورة التوبة: 33 .
     (7) سورة الصف: 9.
     (8) سورة الفتح: 28 .
     (9) سورة المجادلة: 21 .
     (10) سورة البقرة: 87.
     (11) سورة المائدة: 70.
     (12) سورة البقرة: 91.
     (13) سورة القصص 3 ـ 5.
     (14) يوسف : 21 .
     (15) سورة التوبة: 33.
     (16) سورة المجادلة: 21 .
     (17) سورة القصص: 5.
     (18) سورة يس: 78 ـ 79.   


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page